مسجد الملك فيصل في إسلام أباد ـ باكستان
المَسجد بيت الله يؤدَِّّي فيه المسلمون صلواتهم اليومية المفروضة عليهم. والمسجد عبر التاريخ الإسلامي لم يكن مكانًا للعبادة فحسب بل كان مركزًا للعلم والثقافة تُعقد فيه حلقات الدرس ويتخرج فيه طلاب العلم. وكل موضع يُتعبد فيه فهو مسجد، وقد جاء في حديث الرسول ³ (جُُعلَت لي الأرضُ مَسْجدًا وطهورًا) رواه أحمد. وقال الله تعالى ﴿ وَمَنْ أظلم ممَّنْ منعَ مساجد الله أن يُُذَكر فيها اسمُه وسعى في خَرابها﴾ البقرة: 114 . وقال تعالى: ﴿ إنّما يَعمر مَساجدَ الله من آمَنَ بالله واليوم الآخر وأقَامَ الصلاةَ وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله فَعَسىَ أولئك أنْ يكونوا منَ المُهْتَدين﴾ التوبة: 18 .
أما الجامع فهو نعت للمسجد، وقد نُعت بذلك لأنه علامة الاجتماع، وما كانوا في الصدر الأول يُفردون كلمة الجامع وإنما كانوا تارة يقتصرون على كلمة المسجد، وتارة يصفونها فيقولون المسجد الجامع، ومرة يضيفونها إلى الصفة فيقولون مسجد الجامع. ثم تجوّز الناسُ بعد ذلك واقتصروا على الصفة فقالوا للمسجد الكبير الذي تُصَلَّى فيه الجمعة وإن كان صغيرًا الجامع، لأنه يجمع الناس لوقت معلوم.
دور المسجد وتاريخه
المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة
حث الإسلام على بناء المساجد والعناية بها، ومن ذلك ما رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله ³ يقول: (من بنى مسجدًا يُذْكَرُ فيه اسم الله بنى الله له بيتًا في الجنة) رواه أحمد وابن ماجة. وقد أخبر رسول الله ³ فيما رواه أبو هريرة (أحب البلاد إلى الله مساجدها) رواه مسلم.
بناء المسجد أمر من الله سبحانه وتعالى لجميع المسلمين، وحدد القرآن الكريم الوظيفة الأساسية للمسجد، قال تعالى : ﴿في بيوت أذن الله أن تُرْفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمه يُسبِّح له فيها بالغدو والآصال﴾ النور: 36 . كما رويت عن الرسول ³ أحاديث كثيرة في المساجد وفضلها وأحكامها. وأورد الفقيه الزركشي في كتابه إعلام الساجد بأحكام المساجد الأحكام المتعلقة بالمساجد والصلاة فيها، وجمع في كتابه هذا أحاديث الرسول ³ التي تشير إلى الدور الكبير الذي تؤديه المساجد في المجتمعات الإسلامية، وتبين أجر من يعمل على تعميرها وصيانتها، وسوف يتضح ذلك من خلال استعراض دور المسجد وعمارته وطرزه وعناصره في العمارة الإسلامية.
أول مسجد في الإسلام. أول مسجد بُني في الإسلام هو مسجد قُبَاء الذي يُقال له مسجد التقوى لقوله تعالى ﴿ لَمسْجِد أسسَ على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطّهرين﴾ التوبة: 108 . وروى أبو سعيد الخدري أن النبي ³ سُئل عن المسجد الذي أُسس على التقوى فقال: (هو مسجدكم هذا) (أي مسجد المدينة) رواه مسلم والنسائي بسند صحيح. وهذا لا يعارض الأول، إذ كل منهما أُسّس على التقوى، غير أن قوله تعالى (من أول يوم) يقتضي أن يكون مسجد قباء، لأن تأسيسه كان يوم حلول الرسول ³ دار هجرته.
مسجد قُباء بالمدينة المنورة ـ بعد التوسعة ـ وهو أول مسجد بُني في الإسلام.
ولما فتح عمر بن الخطاب البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على البصرة يأمره أن يتخذ مسجدًا للجماعة، ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى المسجد الجامع، وكتب كذلك إلى سعد بن أبي وقاص وهو وال على الكوفة بمثل ذلك، وكتب أيضًا إلى عمرو بن العاص وهو وال على مصر بمثل ذلك أيضًا، وكتب إلى أمراء أجناد الشام ألا يتبددوا إلى القرى، وأن ينزلوا المدائن وأن يتخذوا في كل مدينة مسجدًا واحدًا ولا تتخذ القبائل مساجد فكان الناس متمسكين بأمر عمر رضي الله عنه، وكانت صلاة الجمعة تُؤدَّى في المسجد الجامع. وأصبح المسجد منذ ذلك الوقت مركز ترابط المجتمع والجماعة الإسلامية، وهيكلها المادي الملموس. فلا تكتمل الجماعة إلا بمسجد يربط بين أفرادها بعضهم ببعض، يتلاقون فيه للصلاة وتبادل الرأي، ويقصدونه للوقوف على أخبار جماعتهم، ويلتقون فيه مع رؤسائهم، أو يتجهون إليه لمجرد الاستمتاع بالقعود في ركن من أركانه. ولهذا كله، أصبح للمسجد ضرورة دينية وضرورة سياسية وضرورة اجتماعية لكل مسلم على حدة ولجماعة المسلمين جملةً.
مسجد القبلتين بالمدينة المنورة.
دور المساجد في خدمة المجتمع. المسجد بيت الله وهو أيضًا بيت الجماعة وبيت كل واحد منها على حدة، وهو المكان الوحيد الذي كان وما زال تملكه الجماعة مشتركة، وإن كان الذي بناه السلطان أو الخليفة أو الدولة. وعلى ذلك، لم يكن المسجد في يوم من الأيام ملكية خاصة لأفراد أو لفئة دون فئة. وأوضح مثل على ذلك الدور الذي كان يؤديه المسجد في خدمة المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام، حيث كانت مساجد المسلمين دورًا للقضاء تُعقد فيها مجالس القضاء علنًا بين أفراد الجماعة، وتُعلن أحكام القضاة في داخل المسجد ويُترك للدولة موضوع تنفيذ الأحكام عن طريق أعوان يقفون خارج المسجد تحت تصرف القاضي. كما استُخدمت المساجد معاهد للتعليم، لأن العلم كان دائمًا من اختصاص الجماعة، وعلى ذلك فلم تقتصر المساجد على وظيفة الصلاة بل كانت مراكز للحكم والإدارة والدعوة والتشاور، كما كانت محلاً للقضاء والإفتاء والعلم والإعلان وغير ذلك من أمور الدين والدولة.
مسجد الملكة عروة في جبلة ـ باليمن.
أثر المساجد في نشأة الفنون الإسلامية. من المعروف أنه ما إن دخل النبي صوسلم المدينة عقب الهجرة حتى شرع في بناء المسجد في قطعة الأرض التي اشتراها النبي ³ من غلامين يتيمين في المدينة، ثم خطط المسجد، وأعد مواد البناء من حجارة ولبن وجذوع نخيل وغير ذلك. واشترك النبي ³ نفسه وأصحابه في أعمال البناء، حتى تمت إقامة المسجد النبوي الشريف كأول عمل معماري مهم في الإسلام.
وحين كان النبي ³ وأصحابه يضعون أساس المسجد النبوي كانوا في الوقت نفسه يضعون أساس فن العمارة والزخرفة الإسلامية، إذ تطورت عمارة المسجد النبوي الشريف بعد ذلك على أساس التصميم الذي بدأه النبي ³. وظل مسجد الرسول ³ نموذ نموذجًا احتذاه مشيّدو المساجد في الأقطار الإسلامية الأخرى طوال القرون الأربعة الأولى من الهجرة، مثل مسجد البصرة والكوفة والفسطاط والقيروان، كما صار طرازه المعماري أهم الطرز المعمارية لبناء المساجد في العصور المختلفة. وكان الدافع إلى ذلك الحرص والاقتداء بالسنة النبوية الشريفة. وامتثال أمر الرسول ³ حين أمر بعدم زخرفة المساجد وتلوينها وبين فعل ذلك من أمارات الساعة. وفي مباني المساجد تطورت أساليب التخطيط والتصميم بالإضافة إلى العناصر المعمارية التي انتقلت إلى سائر أنواع المباني الإسلامية. وعن طريق العناية بأثاث المساجد والرغبة في تجميلها؛ ازدهرت الفنون الزخرفية والتطبيقية الإسلامية: إذ تطورت فنون المعادن مثلاً بفضل العناية بالأثاث المعدني بالمساجد كالأباريق والثريات والطسوت والشمعدانات بالإضافة إلى النوافذ والأبواب المصفحة بالحديد (المصبّعات). وتطورت الصناعات الخشبية بمختلف أنواعها تبعًا للاهتمام بالأثاث الخشبي من منابر وكراسيّ وحوامل المصاحف. وتطورت فنون الزجاج بسبب الاهتمام بمصابيح الإضاءة والمشكاوات وزجاج النوافذ، وارتقت فنون السجاد حتى لقد نبغ فيها المسلمون وكادت أن تخصهم دون غيرهم، وقد استُمدَ لفظ سِجَّادة من كلمة مسجد.
وكان للمساجد أكبر الأثر في تطور أساليب الزخرفة والخط العربي، إذ ظلت عادة زخرفة العمائر الدينية بالخط متبعة في جميع العصور الإسلامية، حتى أن العمارة الإسلامية قد تكون حقلاً مناسبًا لدراسة الخط العربي وتطوره وأنواعه المختلفة.
مسجد العنبرية بالمدينة المنورة.
مسجد الغمامة بالمدينة المنورة.
مسجد قديم في جازان ـ المملكة العربية السعودية.
أثر العقيدة الإسلامية في تخطيط المسجد. يخضع التصميم المعماري للمسجد لبعض القواعد الوظيفية والعقائدية؛ فهو المكان الذي ينتظم فيه المسلمون في صفوف متراصة لأداء فريضة الصلاة. يقول الرسول ³: (أقيموا صفوفكم فإنما تصفّون بصفوف الملائكة وحاذوا بين المناكب ولينوا في أيدي إخوانكم وسُدُّوا الفُرَج (الخلل) ولا تجعلوا للشيطان فرجة، فمن وصل صفًا وصله الله ومن قطع صفًا قطعه الله عز وجل) رواه أحمد وأبوداود بإسناد صحيح. وعن فضل الصف الأول في المساجد، قال رسول الله ³،: (لو يعلم الناس ما في النداء (الأذان) والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا (يقترعوا) عليه لاستهموا) متفق عليه. وعلى ذلك، حرص المعماري المسلم أن يراعي في تخطيط المسجد تلك التوجيهات التي أمرنا بها رسولنا الكريم ، فقام المعمار المخطط للمساجد بتصميماتها على هيئة مستطيل يكون محوره الرئيسي موازيا لاتجاه امتداد جدار القبلة حتى يتوافق ذلك مع الحديث النبوي الشريف في توافر أكبر عدد من المصلين في الصف الأول وبالتالي سوف تكمل بقية الصفوف على حسب امتداد الصف الأول. وهذا لا يمكن أن تحصل عليه في تصميم آخر غير المستطيل، حيث لا يمكن أن يعطينا الشكل المخروطي أو الشكل المثمن أو الشكل الدائري أو حتى الشكل المربع المساحة المطلوبة لامتداد الصف الأول بصفوف المصلين. كما وزّعت مداخل المساجد في أماكن محددة بحيث يشكل توزيعها على مخطط المسجد تطابقًا مع المطلب العقائدي المتمثل في عدم المرور أمام المصلي: قال رسول الله ³: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه) أخرجه النسائي، وكذلك ورد في صحيحي البخاري ومسلم. وعملاً بهذا الحديث انطلق المعماريون المسلمون يخططون للمداخل المؤدية إلى داخل المسجد وفقًا لنظام معماري لا يسمح بالمرور أمام صفوف المصلين. لذا نجد معظم مداخل المساجد تقع في المؤخرة أو على الجانبين، وعلى هذا نجد العبرة هنا بالأسس العقائدية، وليس بالمراجع التراثية التي يرجع إليها المعماريون عند تخطيط المبنى. فالمهم هو استيفاء المضمون أولاً ثم بعد ذلك يتم البحث عن التشكيل المعماري الذي يخدم هذا المضمون. والتشكيل المعماري هنا يرتبط بطرق الإنشاء ومواد البناء التي ترتبط بدورها بالقدرة الفنية والعلمية لدى المسلمين. وإذا كان الإسلام يحض على أن تستمر صفوف المصلين دون انقطاع، فإنه ليس من المستحب أن تكون العمد التي ترتكز عليها سقيفة المسجد عاملاً على قطع صفوف المصلين والفصل بينها وبذلك يكون تصميم المسجد بدون الأعمدة التي تحمل الأسقف أو بأقل أعمدة ممكنة أكثر استحبابًا من الناحية العقائدية حتى لا تنقطع بها الصفوف، وحتى يستطيع المصلون رؤية الإمام والخطيب في صلاتهم دون عوائق من البناء. لقد احترم المعماريون المسلمون ما جاءت به العقيدة الإسلامية من متطلبات تتعلق بعمارة المساجد لكونها بيوت الله في الأرض، ولذا تعامل معها المعماري وهو ينظر إلى المضمون في التصميم. والمضمون المعماري هنا ليس في تفسيره مجال لذكر ما حرم الله أو ما أحله ولكنه تعامل مع روح الإسلام وتعاليمه. لذلك، كان بحث المعماريين عن المضمون أساس البحث عن الشكل، وليس العكس كما تدعو النظرية المعمارية الغربية ويعمل بها المعماريون الغربيون.
أما عن علاقة المسجد بالنسيج العمراني، فقد حدد الرسول الكريم ³ مفهوم هذا النسيج: في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله ³ أمر ببنيان المساجد في الدور وأمر بها أن تنظف وتطيّب (أخرجه أحمد بإسناد جيد). وفي هذا الحديث دلالة على أن المسجد لم يكن بناءً تذكاريًا بل هو جزء لا يتجزأ من النسيج العمراني للمدينة الإسلامية يتكامل معها ويترابط بها عضويًا. ولما كان المسجد هو مركز الإشعاع في المجتمع الإسلامي، بل هو محور المدينة، كان على المعماري المسلم أن يتخذ موقع المسجد في قلب التجمع العمراني، تلتف من حوله مراكز الخدمات الإدارية والأمنية والمالية والتعليمية والاجتماعية حتى تكون متصلة روحيًا وسلوكيًا مع تعاليم الإسلام. ولذلك، ارتبطت تواريخ المساجد الجامعة في الأمصار الإسلامية بالتاريخ الحضاري والاجتماعي والسياسي للجماعة الإسلامية. وكان يقال إن الشعر ديوان العرب، وهي حقيقة تؤيدها الأدلة، بينما الحقيقة أيضًا أن المساجد ديوان أمم الإسلام. فقد كان جامع عمرو بن العاص في مصر سجلاً لتاريخ العصور الإسلامية في مصر، وكذلك كان المسجد الجامع في القيروان بمثابة فصول كاملة من تاريخ إفريقيا والمغرب عامة. وأكبر دليل على ذلك هو المسجد الجامع في قرطبة؛ إذ إن عمارته تؤرخ لأمراء البيت الأموي الأندلسي واحدًا واحدًا، فما منهم أمير أو خليفة إلا وحرص على أن يضيف إليه ويتشرف بتسجيل اسمه على جدرانه، وينطبق هذا الحديث على جامع الأزهر الفاطمي بمصر.
أما المسجد الحرام والمسجد النبوي فهما يؤرخان لدولة الإسلام وحضارتها وما زالت عمارتهما تؤكد على ذلك.
الخلاصة أن أول ما يُعنى به المسلمون في كل فتح من فتوحاتهم أن يقيموا مسجدًا جامعًا للصلاة، يحرصون على أن يكون موقع المسجد في وسط المدينة الجديدة، ومجاورًا في نفس الوقت لدار الإمارة أو بيت الخليفة أسوة بما كان في مسجد الرسول ³ بالمدينة.
العناصر المعمارية الأساسية في عمارة المسجد
الجامع الأزهر في القاهرة - مصر.
للمسجد عناصره المعمارية الخاصة التي بدأت منذ عصور مبكرة تُشَكِّل الملامح الأساسية لعمارة المساجد في العالم الإسلامي. وأصبحت تلك العناصر من أهم مميزات المساجد التي تتضح بها ذاتية المسجد. وهي بذلك تستحق الدراسة حتى تكتمل لنا معالم تطورها على مر العصور، لاسيما وأن معظم العناصر المعمارية المكونة لعمارة المسجد قد نسبها المستشرقون إلى أصول غير عربية أو إسلامية. وأهم هذه العناصر هي: التخطيط، الصحن، المظلات، المنبر، المحراب، المئذنة، المقصورة.
مسجد محمد علي في القاهرة ـ مصر.
جامع عمر بن الخطاب في مدينة الدوحة ـ قطر.
مسجد الناصر محمد في القاهرة ـ مصر.
الجامع العمري الكبير في صيدون ـ لبنان.
التخطيط. يتمشى التخطيط العام للمسجد مع وضوح العقيدة الإسلامية وبساطة أركانها وخلوها تمامًا من الأسرار ومن أي نوع من التعقيدات في طقوس العبادات القديمة السابقة على الإسلام. فلم تكن بمساجد المسلمين قدس الأقداس (قبَّة الهيكل عند اليهود) كما كان في معابد مصر القديمة، أو منشآت معمارية ضخمة ذات جدران عالية وقاعات داخلية تضاء بالشموع والقناديل، ويقوم على خدمتها كهان أو سدنة لهم هيئات خاصة وملابس مصممة على نحو يراد منه أن يوقع في النفس أبلغ الأثر من الرهبة والقدسية. بل كانت مساجد المسلمين الأولى تخطّط ببساطة شديدة، فهي مساحات من الأرض صغيرة أو كبيرة تنظّف وتسوَّى وتطهر ويُعَيَّن فيها اتجاه القِـبلة وتخصص للصلاة. وقد تسور هذه المساحات أولا تسوّر، وقد تفرش بالجص النظيف أو الحُصر أو البسط، وقد تقام فوقها مبان ضخمة، وقد لا تقام، فهي لا تغير من الأمر شيئًا.
كانت البساطة في أداء فرائض الإسلام عاملاً أساسيًا في وضع تخطيط سهل لا تعقيد فيه ولا تكلُّف في توزيع وحداته أو في أسلوب بنائه. وكان ذلك المسجد النبوي الأول نواة المساجد في جميع الأقطار وفي كافة العصور، ولم يلجأ المسلمون فيه إلى اقتباس أفكار لتخطيط مساجدهم من معابد الوثنيين أو كنائس النصارى أو معابد اليهود كما فعل الرومان من قبل، وما فعله النصارى عندما اتخذوا لكنائسهم تخطيط البازيليقا الرومانية. ولم يطلب الدين الحنيف أكثر من جدران تقام بأية مواد لتحدد محيط المسجد وتحفظ حرمته، ومن سقيفة أو ظُلة يحتمي بها المسلمون في أثناء صلاتهم، وهو التخطيط الذي بدأ ظهوره في المسجد النبوي بالمدينة المنورة والذي خطه الرسول ³ بنفسه. وكان تخطيطه فناء مربع الشكل أحيط بجدارن من اللَّبن لم تكن تعلو على قامة رجل، وظلة تقع في الركن الشمالي الغربي يحتمي بها المصلون من حرارة الشمس، كما كان يجلس فيها الرسول ³ ليجتمع بالمسلمين ويتدارس معهم شؤونهم الدينية والدنيوية. وكان يوجد بالضلع الشرقي عدد من الحجرات يقيم فيها الرسول ³ مع زوجاته. وكان أسلوب بناء جدران مسجد الرسول ³ وظلته وحجرات الإقامة بسيطًا للغاية، فقد استُخدمت جذوع النخيل لرفع الظلة التي صُنعت من سعف النخيل والطوب اللبن للجدران.
دخل تخطيط مسجد الرسول ³ بعد ذلك في طور جديد بعد أن تلقّى الرسول ³ في النصف من شعبان من السنة الثانية للهجرة الأمر باتخاذ الكعبة قبلة يتجه إليها هو والمسلمون في صلاتهم. فأخلف الرسول ³ ظلة ثانية جهة الجنوب وجعل في وسط جذرها الجنوبي علامة تعين القـبْلة، ثم زاد عمر بن الخطاب في مساحة المسجد عام 17هـ، 637م وبخاصة من ناحية القـبْلة. وفي عهد الخليفة عثمان عام 24هـ، أضيف للمسجد ظلتان، واحدة في الجانب الشرقي وأخرى في الجانب الغربي، وبذلك تكامل الشكل النهائي لتخطيط أول مسجد بالمدينة، ومن ثم فقد صار نموذجًا اهتدى به المسلمون وساروا عليه في تخطيط المساجد في العالم الإسلامي كله من المشرق إلى المغرب. هذا النموذج الذي يتبلور في تخطيط رئيسي يتكون من فناء أوسط مكشوف تحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القـبْلة. ومن الجدير بالذكر أن كل مرحلة من مراحل تخطيط مسجد الرسول ³ كان لها تأثيرها المباشر على مخططات المساجد في أقطار العالم الإسلامي. فنجد المرحلة الأولى التي كان يتكون فيها تخطيط مسجد الرسول ³ من فناء يتقدمه في الجانب الجنوبي ظلة واحدة هو التخطيط الذي شاع في بناء مساجد الأمصار الإسلامية في البصرة والكوفة والقيروان، ثم المرحلة الثانية التي كان يتكون فيها تخطيط مسجد الرسول ³ من فناء أوسط وظُلة في الجانب الجنوبي وأخرى في الجانب الشمالي، ثم المرحلة الثالثة والأخيرة التي أصبح فيها تخطيط مسجد الرسول ³ يتكون من فناء أوسط وأربع ظلات أكبرها ظلة القـبْلة. وقد اصطلح علماء الآثار على تسمية هذا النموذج الأخير باسم التخطيط ذي الصحن والظلات.
مسجد أحمد بن طولون في القاهرة ـ مصر.
الصحن. هو البهو أو الفناء الأوسط، ويعد من أهم العناصر المعمارية في تخطيط المساجد. إذ إنه مصدر الضوء والهواء لظلات المسجد وبخاصة ظلة القـبْلة التي يندر أن تكون فيها فتحات للنوافذ، ولذا كان الصحن بالنسبة لظلة القِـبْلة المصدر الوحيد الذي يمدها بالضوء والهواء. ولهذا روعي أن تكون مساحة الصحن فسيحة ومكشوفة. وكان الصحن يُستخدم للصلاة حين تضيق ظلة القبْلة بالمصلين أو فصول الصيف. وكان من المتبع أن يكون الصحن مربعًا أو شبيهًا بالمربع وأن تزيد مساحته عن مساحة ظلة القـبْلة، وقد تبلغ ضعفها مرة أو أكثر. وكان تحديد شكل الصحن ومساحته يُـتركان للظروف الخاصة لكل إقليم وتبعًا للظروف المناخية، حيث نرى أن الصحون المكشوفة تنكمش مساحتها في البلاد الباردة أو شديدة الحرارة، ومن هنا فإن الصحون تصغر مساحتها كلما اتجهنا شمالاً أو جنوبًا في بلاد العالم الإسلامي. فعلى سبيل المثال، نجد صحون المساجد في الأقطار العربية وإيران والهند أفنية مكشوفة واسعة المساحة، بينما نجد مساحة الصحون تصغر أحجامها في مساجد آسيا الصغرى وما وراء النهر وتركيا. أما في الغرب الإسلامي وبخاصة في الأندلس، فقد غُرس في صحون المساجد أشجار النارنج تجميلاً لهيئته والتماسًا لشيء من الظل للمصلين في الصيف.
وقد تناقش الفقهاء طويلاً في جواز غرس الأشجار في الصحون أو عدم جوازه، وانتهى الأمر بإقراره، وكان بعض الفقهاء قد تحفظ على ذلك خوفًا مما ينجم عن ذلك من مشكلات بسبب ثمرها، وبسبب الطيور التي تسكن الشجر وتكون سببًا في عدم نظافة الصحن.
والخلاصة أن عنصر الصحن لم يختف من تخطيطات المساجد الخاصة والمساجد الجامعة في كل النماذج التي وصلتنا ومهما يكن عدد الظلات التي تحيط به من الجوانب. وكان من عوامل الاهتمام بعنصر الصحن في المساجد أن ظهرت نماذج لمساجد متعددة الصحون بدأت بثلاثة في جامع المهدية بتونس وجامع القصبة بأشبيليا وانتهت بخمسة في بعض مساجد دلهي ومسجد القصبة بالمغرب الأقصى.
أروقة مسجد قرطبة بالأندلس من الداخل واسعة فسيحة.
الظُّلات (الأروقة). للمسجد عادة ظُلة رئيسية تقع في اتجاه القبلة تعرف باسم ظلة القبلة أو رواق القبلة، وهي الظلة التي تشتمل على المحراب والمنبر والمقصورة، أما الظلات الثلاث الأخرى التي تحيط بجوانب الصحن فتسمى بالمجنبات أو بالمؤخرة إذا كانت تقع في مقابلة ظلة القبلة. ومن الجدير بالذكر أن كتب الآثار والعمارة الإسلامية قد تطلق اسم بيت الصلاة على ظلة القبلة، ومؤخرة المسجد على الظلة المقابلة لها، والمجنبات على الظلتين الجانبيتين. وكانت المساجد الأولى في صدر الإسلام تشتمل على ظلة واحدة أي ليست لها مجنبات أو مؤخرة، مثل مسجد الكوفة والقيروان والزيتونة وقرطبة والمسجد الأقصى. وفي العادة، تقسم ظلة القبلة من الداخل إلى بلاطات طولية أو عرضية بوساطة بوائك (عقود) مرتكزة على أعمدة أو دعائم، وفي العادة أيضًا تكون البلاطة الوسطى أو الرواق الأوسط أوسع من سائر الأروقة أو بلاطات المسجد، وتُعرف باسم المجاز القاطع لو كان مسارها يمتد بشكل رأسي على جدار القبلة، بينما تسير باقي البلاطات بشكل مواز لجدار القبلة.
وقد كان لمسجد الرسول ³ مؤخرة وهي موضع الظلة القديمة التي كانت في اتجاه بيت المقدس، وكانت تسمى السقايف الشامية، وكانت عادة ما تتكون المؤخرة من رواق واحد فقط كما هو الحال في جامع دمشق وواسط وحرّان وجامع سوسة، أو تكون من رواقين كما هو الحال في جامع الكوفة والقيروان والإسكافي بن جنيد ببغداد وجامع أبي دلف بالعراق وابن طولون بمصر. وقد يزداد عدد الأروقة في المجنبة الواحدة عن اثنين كما هو الحال في المسجد النبوي وجامع سامراء بالعراق وجامع عمرو بن العاص في مصر. ومن الجدير بالذكر أن هناك تخطيطًا آخر للمساجد يُعرف باسم التخطيط الإيواني حيث حل محل الظلة إيوان كبير غُطي بسقف معقود، وقد انتشر هذا النظام في مساجد إيران منذ القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي. حيث أصبح المسجد هناك يتكون من صحن أوسط وأربعة أواوين أكبرها عمقًا إيوان القبلة. وهذا النظام الجديد في المساجد قد أ ثَّر على تخطيط المدارس الإسلامية التي شيدت في مطلع القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي. ويمتاز التخطيط الإيواني للمساجد بتلاشي الأعمدة تمامًا من المساحة الداخلية حيث يرتكز سقف الإيوان على الحوائط الجانبية بينما في تخطيط الظلات كان السقف يعتمد على غابة من الأعمدة والعقود في رفع السقف.
الخلاصة أن النموذج الأمثل للمساجد الجامعة سواء كانت ظلات أو أواوين لم تفقد عناصرها المعمارية الرئيسية في النظامين.
أحد المساجد الحديثة في مدينة الرياض ـ المملكة العربية السعودية.
المنبر. المنبر في اللغة مرقاة الخطيب. وسمي منبرًا لارتفاعه وعلوه، وانتبر الأمير أي ارتفع فوق المنبر. وهي مأخوذة من الفعل (نبر) بمعنى رفع الشيء. ويرجع تاريخ المنبر في المساجد إلى عهد الرسول ³ حيث كان يخطب في مسجده بالمدينة وهو متكئ على جذع نخلة مثبت بالأرض. ولكن، في السنة السابعة حسب ما ذكر المؤرخ الطبري، عُمل لمسجد الرسول ³ منبر من خشب ¸الأثل · جيء به من وادي الغابة، ويقال إن نجارًا روميًا يُدعى باقوم هو الذي صنعه. وكان المنبر كرسيًا من ثلاث درجات، كان الرسول ³ يجلس على الدرجة الثالثة، ويضع قدميه على الثانية، ثم انتشرت بعد ذلك المنابر في المساجد الإسلامية وأصبحت من أهم عناصره. والمنبر قد يُبنَى من الحجر أو يصنع من الخشب. وأقدم المنابر الباقية هو منبر جامع القيروان الذي لا يزال في حالة جيدة على الرغم من أن تاريخه يعود إلى أكثر من أحد عشر قرنًا إذ يؤرخ فيما بين سنتي 242 - 249هـ، 856 - 863م في عهد الأغالبة. والمنابر أنواع، منها الثابت ومنها المتحرك، وقد انتشر المتحرك منها في مساجد الغرب الإسلامي، حيث تُعرف هناك باسم المنابر المتحركة وقد تتطلب حركة المنبر إيجاد وضع معماري خاص لأنها كانت تُوضع في حجرات خاصة تُعرف باسم بيت المنبر، وكانت حركة المنبر تتم بوساطة مجموعة من العجلات التي كانت تُثَبَّت في قوائم أرضية المنبر لتنزلق على قضيبين، وكان بيت المنبر أو حجرة المنبر تقع على يمين المحراب. وكان الغرض من استخدام المنبر المتحرك هو المحافظة على عدم قطع الصف الأول من المصلين. وتعتبر فكرة وجود المنبر المتحرك دليلاً على ابتكار المعماري المسلم لعناصر تخضع للمطلب العقائدي، إذ يأتي من إدخال المنبر إلى حجرة خلف جدار القبلة استغلال كافة مساحة ظلة القبلة للصلاة، فلم يرد المعماري أن يزحم الظلة بقطع الأثاث التي يكون استغلالها مقتصرًا على يوم واحد فقط. وقد شهدت صناعة المنابر المتحركة تطورًا كبيرًا في المغرب والأندلس في عصر الموحّدين. ومن أشهر المنابر المتحركة التي تعود إلى تلك الفترة منبر جامع الكتبية بمراكش.
المسجد والمركز الإسلامي في روما ـ إيطاليا.
المئذنة. سمّاها مؤرخو العرب صومعة للدلالة على برج البيعة الذي يعيش فيه زُهّاد النصارى. ولعل إطلاق هذا الاسم على المئذنة يرجع إلى أن المئذنة الأولى سواء في الشام أو مصر أو شمالي إفريقيا والأندلس كانت تتخذ شكلاً مربعًا أشبه شيء بأبراج الزُهّاد في سوريا. وقد شاع استخدام أهل المغرب لكلمة الصومعة للدلالة على المئذنة، وما تزال كلمة صومعة المصطلح السائد في شمالي إفريقيا. كما يطلق على الصومعة في المشرق الإسلامي اسم منارة، وهذه اللفظة مشتقة من الفعل ¸أنار· أي أشعل وأضاء، وبالتالي فإن كلمة منار (جمعها منائر) تعني المكان الذي ينبعث منه النور أو تشتعل فيه النار.
تعد المآذن من أهم العناصر المعمارية الإسلامية لما تضمنته من نقوش وتنميقات، بالإضافة إلى كونها سجلاً رائعًا لجميع الأطوار التي مر بها الفن الإسلامي. ولقد اهتم مؤرخو الفن الإسلامي اهتمامًا كبيرًا بمشكلة المآذن والبحث عن أصولها ومدى ما أصابته من تطور على مر السنين.
ومن أهم أمثلتها مئذنة جامع الخضر ببصرى 528هـ، 1134م، ومئذنة العروس في الجامع الأموي، ومئذنة جامع الدباغة. وقد انتقل التأثير السوري إلى مآذن المغرب ويتجلى ذلك في مئذنة جامع القيروان أقدم المآذن الإسلامية الباقية، بناها بشير بن صفوان عام 105هـ، 724م، ثم انتشر الطراز السوري للمئذنة في المغرب والأندلس فبنى عبد الرحمن الناصر مئذنة جامع قرطبة عام 334هـ، 945م.حيث يتجلّى في كتاب فتوح البلدان للبلاذري المتوفى عام 245هـ، 859م، ذكر أول مئذنة شيدت في جامع البصرة على يد زياد بن أبيه والي العراق حينذاك من قبل معاوية بن أبي سفيان. وقد جاء في نص البلاذري أن مئذنة جامع البصرة مشيدة بالحجارة عام 45هـ، 665م، كما يخبرنا المؤرخ ابن دقماق في كتابه الأمصار أن مسلمة ابن مخلد الأنصاري قد شيد أربع صوامع موزعة في أركان جامع عمرو بن العاص عام 54هـ، 673م. وفي تلك الإشارات التاريخية دلالة واضحة على أن المآذن قد شُيدت قبل عام 96هـ، 715م وهو التاريخ الذي اكتمل فيه بناء الجامع الأموي بدمشق. وتتميز مئذنة جامع القيروان بخصائص عربية إسلامية ناضجة من ناحية التكوين المعماري وأسلوب البناء، ومن المنارات أو المآذن المبكرة في العالم الإسلامي التي ترجع نسبتها إلى ما يعاصر فترة حكم الولاة في مصر، نجد أنها كانت ترتفع عن مستوى الأرض في تكوين معماري مترابط يكاد يكون منفصلاً عن المسجد؛ فلا يتصل به في بعض الأحيان، أو يتصل به بوساطة الجدران الخارجية في أحيان أخرى. وأغلب الظن أن جميع مآذن العالم الإسلامي كله في العصر المبكر كانت تتبع تكوينًا معماريًا مشتركًا، وكان الخلاف بينها قد ينحصر في النسب المعمارية للقواعد العليا أو أبدانها، وسوف تكون المئذنة عنصرًا معماريًا إسلاميًا.
محراب جامع القيروان ـ تونس.
المحراب. المحراب لغةً، هو صدر المنزل وأرفع مكان في الدار، كما أنه يحمل معنى الحَنيَّة (القوس) في المعابد والكنائس. وقد وردت كلمة محراب في الأشعار العربية المبكرة، كذلك وردت في القرآن الكريم أربع مرات عند قوله تعالى: ﴿ فتقبلها ربُّها بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسنًا وكفّلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا....﴾ آل عمران: 37 . وقوله تعالى: ﴿ فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب﴾ آل عمران : 39 . كذلك وردت في سورة أخرى عند قوله تعالى: ﴿فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًا﴾ مريم : 11 . وفي سورة (ص) عند قوله تعالى: ﴿ وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب﴾ صَ: 11 . وقد استخدم الرسول ³ الحربة في تحديد اتجاه القبلة أثناء الصلاة في الفضاء. ويرجِّح علماء اللغات السامية أن محراب لفظ حميري دخل اليمن عن طريق الحبشة، وهو مأخوذ من كلمة ميكراب الحبشية وهي بمعنى كنيسة أو معبد أو حنية. أما عن أول نموذج لمحراب مجوف في المساجد فهو ذلك الذي صُنعَ لمسجد الرسول ³ بالمدينة في عهد عمر بن عبدالعزيز من قِبل الوليد بن عبد الملك أي في العصر الأموي، ثم انتشر بعد ذلك المحراب المجوّف في مساجد الأمصار الإسلامية، حيث كان مسجد عمرو بن العاص ثاني مسجد صنع له محراب مجوف في عهد قُرّة بن شريك والي مصر عام 93هـ، 711م من قبل الخليفة الوليد بن عبد الملك أيضًا.
أما عن انتشار المحاريب المجوفة في العمارة الإسلامية، فقد بدأت منذ العصر الأموي. ومن أهم أمثلتها قبة الصخرة التي كان يشاع قديمًا أنها تحتفظ بأقدم مثل للمحاريب المجوفة. ولكن الدراسات الأثرية الحديثة أثبتت أن تاريخ محراب قبة الصخرة لاحق على العصر الأموي، كما ظهرت المحاريب المجوفة في القصور الأموية ومن أمثلتها قصر الحلابات، وقصر الطوبة وكذلك في قصر المشتى. وفي العصر العباسي، انتشرت المحاريب المجوفة في جميع المساجد العباسية، ولم يقف المعمار الإسلامي عند حد اقتباس المحراب المجوف من عمائر قديمة، بل نراه يدخل على عنصر المحراب ابتكارًا إسلاميًا انتشر منذ العصر الإسلامي المبكر، وهذا الابتكار عمل زاوية غائرة في نواحي المحاريب لوضع عمود فيها. وأقدم أمثلة هذا النموذج توجد في محراب قبة الصخرة ومحراب الجامع الأموي بدمشق. كما انتشر نوع جديد من المحاريب في العصر الإسلامي يُعرف باسم المحاريب المسطحة في العمارة الإسلامية، فنجدها في جامع أحمد بن طولون بمصر، حيث يحتفظ الجامع بخمسة محاريب مسطحة صنعت من الجص منها ثلاثة تُنسب إلى العصر الفاطمي واثنان ينسبان إلى العصر المملوكي.
كما عرفت العمارة الإسلامية نوعًا ثالثًا من المحاريب يعرف باسم العنزة أو المحاريب الخشبية المتنقلة. وهذا النوع من المحاريب انتشر انتشارًا كبيرًا في المغرب الإسلامي، وكذلك في مصر في العصر الفاطمي. ومن أهم أمثلتها في مصر المحراب الخشبي الذي ينسب إلى الخليفة الحاكم بأمر الله عام 519هـ، 1125م، ومحراب السيدة نفيسة الذي كان يوجد بمسجدها بمدينة القاهرة، وهو الآن محفوظ بمتحف الفن الإسلامي. أما أشهر المحاريب الخشبية في المغرب فيرجع إلى العصر الموحدي ومن أهم أمثلتها المحراب الخشبي بجامع الأندلسيين بمدينة فاس.
منظر جانبي لجامع الإمام تركي بن عبدالله في وسط مدينة الرياض ـ المملكة العربية السعودية.
مسجد الملك فيصل في الشارقة ـ الإمارات العربية المتحدة.
أحد المساجد على كورنيش مدينة جدة ـ المملكة العربية السعودية.
مسجد في جزيرة تيودور في السنغال.
مسجد السعودية في نواكشوط ـ موريتانيا.
مسجد حديث في جدة ـ المملكة العربية السعودية.
المقصورة. المقصورة في اللغة من قصر الشيء، يقصره قصرًا أي حبسه، وتُجْمَع على مقاصير. ومنه مقصورة الجامع. وسميت المقصورة مقصورة لأنها قُصرت على الإمام دون الناس. وتنوعت المقاصير وتعددت وظائفها في العصر الإسلامي، حيث خُصِّصت مقاصير لصلاة النساء في المساجد الجامعة. وهي غالبًا ما تقع في مؤخرة المسجد أو في إحدى مجنبتي المسجد وكانت لها مداخل خاصة بها تفتح عليها مباشرة. وهذا النوع من المقاصير يُعتبر أقدم عهدًا من مقصورة الإمام.
وعُرفت المقاصير العلمية كالتي بالجامع الأموي، كانت مخصصة لطلاب المذهب الحنفي حيث كانوا يجتمعون فيها للدرس، وكذلك وجدت المقاصير العلمية في المدارس اليمنية حيث أنشأ الإمام المتوكل على الله شرف الدين سبع مدارس، وبنى في كل مدرسة مسجدًا للصلاة، ومقصورة في مؤخرة المسجد للعلماء والذين يتلقون العلوم من الطلاب.
وعرفت المساجد نوعًا ثالثًا من المقاصير يُعرف بمقاصير الخزائن كالتي كانت بالجامع الأزهر في العصر المملوكي البحري، وخاصة في عهد السلطان الناصر حسن بن قلاوون؛ حيث استجد بالجامع الأزهر في عهده عدة مقاصير ووُضعت فيه صناديق وخزائن حتى ضيقته، ويُعرف هذا النوع من المقاصير في مساجد الغرب الإسلامي باسم الهُرْي أو الهراري. وقد خُصص هذا النوع من المقاصير لحفظ أموال المسلمين التي تُحصّل من خلال الحبوس الموقوفة على المسجد. ومن أشهر تلك المقاصير في المغرب المقصورة التي أنشأها الفقيه أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد عام 598هـ، 1201م بمسجد القرويين بفاس الذي أنشئ سنة 242هـ، 857م. وهناك أيضًا مقاصير الكتب كالتي كانت في جامع الزيتونة؛ حيث خصصت مقصورة لحفظ الكتب.
وعرفت المساجد أيضًا مقاصير الفقراء، ومنها المقصورة التي أنشأها السلطان الناصر محمد بن قلاوون بمسجد القلعة، وقد ذكر ابن دقماق عن هذه المقصورة أنها كانت تقع في الجهة البحرية من الجانب الشرقي من المسجد، وكانت مخصصة للفقراء المرتبين فيه سفله وعلوه أي أن المقصورة كانت مكونة من طابقين.
ومن التعريفات السابقة نستطيع أن نعرّف مقصورة صلاة الإمام أو الخليفة بأنها مساحة محددة تشغل جزءًا من مساحة المسجد الداخلية، ومسورة بسياج، وقد وضعت تلك المقصورة في أماكن محددة، فإذا وجدت في داخل بيت الصلاة (ظلة القبلة) فلا بد أن تكون ملاصقة لجدار القبلة من أمام المحراب. ويعتبر جدار القبلة في ذلك الموضع ضلعًا من أضلاعها، وهي في هذا المكان تتقدم المحراب، وتحيط بالمنبر؛ أما إذا وجدت المقصورة في الصحن فهي حتمًا تقع في مواجهة المحراب من على الصحن أمام المحراب الخشبي (العنزة) الذي يقع على محور المحراب الرئيسي، ويمكن أن تركب المقصورة ملاصقة بجوار القبلة على جانبي المحراب.
اختلف المؤرخون حول نشأة المقصورة فمنهم من نسبها إلى الخليفة عثمان بن عفان ومنهم من أرجعها إلى الخليفة معاوية بن أبي سفيان ومنهم من أرجعها إلى زياد بن أبيه، وآخرون أرجعوها إلى الخليفة مروان بن الحكم. وعلى هذا تعددت الآراء حول نشأة المقصورة كما اختلفت الآراء حول نسبتها. فذكر السمهوري نقلاً عن ابن زبالة أن أول من أنشأ المقصورة هو عثمان بن عفان، وأنه كانت فيها كوى ينظر الناس منها إلى الإمام، وكان قد وضعها خوفًا على نفسه بعد مقتل الخليفة عمر بن الخطاب وهو يصلي. كما ذكر السمهوري نقلاً عن مسلم أن أول من اتخذ المقصورة في المسجد هو معاوية بن أبي سفيان عندما تعرّض لمحاولة اغتيال على يد واحد من الخوارج.
كذلك يرى ابن خلدون أن معاوية هو أول من اتخذ المقصورة وحرس الليل وقيام الشرطة على رأسه إذا سجد، ويؤكد المقريزي ما ذكره ابن خلدون، فيذكر أن أول ما عملت المقاصير في الجامع كان في أيام معاوية بن أبي سفيان سنة أربع وأربعين. أما الفريق الثالث من المؤرخين والذي يُرجع نشأة المقصورة إلى الخليفة مروان بن الحكم الأموي فهو يستند على النص الذي ذكره السمهوري نقلاً عن ابن حنطب والذي يؤكد أن أول من أحدث المقصورة في المسجد هو مروان بن الحكم، وذاك حينما تعرض لمحاولة اغتيال وهو قائم في المسجد يصلي على يد واحد يُدعى دب من أهل تهامة. وقد أكد ابن رشد نص ابن حنطب واعتبر الخليفة مروان أول من اتخذ المقصورة في المسجد حين طعنه اليماني فصنع مروان لنفسه مقصورة من طين وجعل فيها تشبيكات. وقد جاء في فتوح البلدان أن زياد بن أبيه هو أول من اتخذ المقصورة في مسجد البصرة وذلك نقلاً عن الوليد بن هشام بن قحذم.
وأظهرت الروايات السابقة الدوافع الحقيقية التي ساعدت على اتخاذ المقصورة في المسجد، حيث أيدت الروايات السابقة الدافع الأمني الذي دفع الخلفاء لاتخاذ مثل هذه المقاصير خوفًا من الاغتيال، وذلك استنادًا إلى ما أصاب الخليفة عمر بن الخطاب في مقتله وهو قائم يصلي في المسجد. ولم تقطع الروايات السابقة في أمر أيّ الخلفاء كان أسبق في اتخاذ المقصورة عند موضع صلاته حيث تساوت الحجج التي أوردها المؤرخون حول كل من الخليفة عثمان ومعاوية ومروان بن الحكم. إلا أن هناك حقيقة أخرى وردت في نص لابن الأثير فحواها أن صحابيًا يُدعى السائب بن حباب، قد شغل وظيفة من قبل الخليفة عثمان ابن عفان وهي وظيفة صاحب المقصورة، وجعل له فيها راتبًا شهريًا يقدر بدينارين. وعلى هذا يعتبر السائب بن حباب هو أول من شغل وظيفة صاحب المقصورة، حيث لم يأت المؤرخون بذكر واحد قد تولى هذه الوظيفة، بل ولم يرد اسم الوظيفة نفسها لا في أيام الخليفة معاوية بن أبي سفيان ولا في أيام الخليفة مروان بن الحكم مما يرجح نسبة المقصورة إلى الخليفة عثمان الذي أمر ببنائها عند تجديده مسجد الرسول ³ بالمدينة.
وأوضح الفقهاء رأي الدين في اتخاذ المقاصير للصلاة. فقد أجمعوا على أنها لم تكن على عهد الرسول ³، و، وإنما أحدثها الأمراء خوفًا على أنفسهم. وأفتوا بأن اتخاذها في الجامع مكروه لأنها تفرق الصفوف وتحول دون التمكن من مشاهدة الإمام وحكمها حكم المنبر لقطعها الصف الأول، مما دفع الخليفة المهدي العباسي إلى أن يأمر ولاته سنة 161هـ، 777م برفع المقاصير من المساجد وبتقصير المنابر على قدر منبر الرسول ³. ويبدو أن المؤذنين كانوا يتخذون من المقاصير موضعًا يؤذنون منه، مما دفع الخليفة المعتصم إلى أن يأمر ولاته بإخراج المؤذنين عند الأذان خارج المقاصير.
طُُرُز المساجد الجامعة في المائة الأولى من الهجرة
مسجد البصرة (14هـ، 635م). كان مسجد البصرة أول مسجد أنشئ بعد الفتوحات الإسلامية. وقد اندثر هذا المسجد ولم يكشف بعد عن أسس بنيانه وآثار تخطيطه. ويرجع بناء هذا المسجد إلى عُتبة بن غزوان بن جابر الذي تخير موقعًا كثير القصب لكي ينزل فيه مع جنده من الفاتحين، واختط بيده المسجد في 14هـ. ويقال إن الذي اختط مسجد البصرة الأسود بن سريع التميمي وبنى عُتبة دار الإمارة دون المسجد، وقيل إن المسجد كان حينذاك مختطًا فحسب ولم يكن مبنيًا، وإن أبا موسى الأشعري هو الذي بناه، وبنى دار الإمارة بلَبِن وطين وسقفها بالعشب وزاد في المسجد. وفي عهد معاوية بن أبي سفيان، زيد في المسجد زيادة كبيرة وبناه بالآجر والجص وسقفه بالساج. ولما تولى زياد إمارة البصرة أعاد بناء الجامع عام 44هـ، 665م. كما زيد في مسجد البصرة في العصر العباسي مرتين؛ الأولى في عهد الخليفة المهدي والثانية في عهد الخليفة هارون الرشيد.
مسجد عمرو بن العاص في القاهرة ـ مصر.
المسجد الجامع الكبير الذي شيده عقبة بن نافع في القيروان ـ تونس، ليكون رمزًا للوجود الإسلامي في شمالي إفريقيا.
مسجد الكوفة. (15هـ، 636م). كانت الكوفة ثاني مدينة أنشئت في الإسلام، والمعروف أن المسجد كان أول شيء يخط فيها، وقد شُــيّد على يد سعد بن أبي وقاص عام 17هـ، 638م، وقد أمر سعد بن أبي وقاص رجلاً بأن يحدد قدر مساحة المسجد عن طريق رمي السهام في أربع جهات. وقد جاء تخطيط مسجد الكوفة الأول مربع الشكل، تتكون ظلة قبلته من خمس بلاطات. وقد أعيد بناء مسجد الكوفة في عهد زياد بن أبيه عام 51هـ، 670م. وقد زار الرحالة المغربي ابن جبير المسجد في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) ووصفه بأنه يتكون من صحن أوسط مكشوف تحيط به من جوانبه الأربعة ظلات أكبرها ظُلّة القبلة، كما وصف أعمدته بأنها مصنوعة من الحجارة المنحوتة قطعة على قطعة، مفرغة بالرصاص وليس عليها عقود. كما امتدح ابن جبير مساحة المسجد فقال: ¸فما أرى في الأرض مسجدًا أطول أعمدة منه ولا أعلى سقفًا·.
جامع عمرو بن العاص (20هـ، 641م). أول جامع أنشئ في إفريقيا كلها، وأول جامع أنشئ في مصر بمدينة الفسطاط عام 21هـ، 642م على يد القائد عمرو بن العاص بعد فراغه من فتح الإسكندرية. ويُعرف جامع عمرو بتاج الجوامع والجامع العتيق، وقد وقف على تحديد قبلته جمع من الصحابة رضوان الله عليهم. انظر: عمرو بن العاص، جامع.
جامع القيروان (50هـ، 670م). شُـيد جامع القيروان بمدينة القيروان (تونس) رابع مدينة أنشئت في الإسلام بعد مدينة الفسطاط. وقد شُيِّد هذا الجامع على يد القائد عقبة بن نافع في عام 50هـ،670م. وقد جدد المسجد مرة في أيام القائد حسان بن النعمان حوالي عام 80هـ، 699م، وزاد فيه بعد ذلك بشر بن صفوان، عامل الخليفة هشام بن عبد الملك زيادة كبيرة سنة 105هـ، 723م، كان من أهم ملامحها الصومعة الحالية التي تعد أقدم صومعة قائمة في العمارة الإسلامية. وفي عهد دولة الأغالبة، شهدت عمارة الجامع تطورًا كبيرًا، حيث أصبح تخطيطه مكونًا من صحن وأربع ظلات أكبرها عمقًا ظلة القبلة، كما شيدت بالجامع مجموعة قباب منها قبة المحراب التي تعد أقدم قبة محراب قائمة في المساجد الإسلامية، وكذلك قبة البهو. وعلى الرغم من الإصلاحات الكثيرة التي شهدها جامع القيروان عبر عصوره المختلفة إلا أنه ما زال يحتفظ بأعظم وأقدم العناصر، منها محرابه القديم الذي شيده عقبة بن نافع وكذلك مقصورته ومنبره اللذان يُعدَّان من أهم وأندر التحف الخشبية في الآثار الإسلامية.
مساجد العصر الأموي في الشام والعراق
المسجد الأقصى ـ القدس ـ فلسطين.
جامع سامراء الكبير في العراق.
الجامع الأموي في دمشق، سوريا.
المسجد الأقصى في القدس (65هـ، 685م). يُعْتبر الخليفة عمر بن الخطاب أول من أمر بإعداده ليكون مسجدًا. وقد أعيد بناؤه في صدر الدولة الأموية، ثم أصابه زلزال في العصر العباسي، فقام الخليفة المهدي عام 163هـ، 780م بإعادة تدعيمه. ثم أصابه زلزال آخر في عصر الدولة الفاطمية، فأعيد بناؤه على الوضع الذي هو عليه الآن، حيث يتكون تخطيطه من سبع بلاطات أكبرها عمقًا واتساعًا البلاطة الوسطى، وبصدر جدار القبلة محراب كبير تعلوه قبة. انظر: المسجد الأقصى.
المسجد الجامع بواسط في العراق (84هـ، 703م). المعروف أن واسط في العراق كانت خامس مدينة أنشئت في الإسلام، بناها الحجاج الثقفي في وسط العراق عام 84هـ، 703م، وبنى مسجدها الجامع، وكان تخطيطه يتكون من مربع يبلغ طول ضلعه حوالي مائتي ذراع. وعلى الرغم من اندثار معظم معالم المسجد الأول، إلا أن أعمال التنقيب الآثاري عام 1942م تمكنت من الكشف عن مخطط المسجد الأول.
الجامع الأموي بدمشق (87هـ، 706م). من أشهر جوامع الإسلام في بلاد الشام، بناه الخليفة الوليد بن عبد الملك عام 87 هـ، 706م، ومازال يحتفظ بمعظم عناصره التخطيطية التي بُني عليها في عهد الوليد بن عبد الملك، بالرغم مما تعرض له من أحداث جسام في عصور مختلفة. والتخطيط المعماري للمسجد يتكون من بناء مستطيل الشكل يتوسطه فناء تحفه أربع ظلات أكبرها عمقًا ظلة القبلة التي تتكون من ثلاث بلاطات (البلاطة هي المسافة المحصورة بين أربعة أعمدة. وأطلق اسم بلاطات، فيما بعد، على الأروقة الرأسية أي التي تتجه متعامدة نحو جدار القِـبْلة موازية لجدار القبلة تقطعها بلاطة وسطى (مجاز) ميّزها المعماري بأن جعلها أكثر ارتفاعًا واتساعًا. ويحيط بفناء المسجد من ثلاث جهات رواق واحد. وللمسجد ثلاثة أبواب وثلاث صوامع. انظر: الجامع الأموي.
طرز عمارة المسجد في الأندلس
جامع قرطبة (170هـ، 786م). كانت الأندلس غنية بمساجدها في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وقد اندثرت هذه المساجد، ولم يبق منها إلا القليل. ومن أشهر مساجد الأندلس الباقية جامع قرطبة، وهو أكبر مسجد قائم في الإسلام، وثالث المساجد الكبرى مساحة بعد مسجدي سامراء وأبي دلف في العراق اللذين اندثرا الآن.
لم يُخلَّد أثر من الآثار الإسلامية في كتب التاريخ كما خُـلِّد المسجد الجامع في قرطبة؛ فقد كتب عنه جميع مؤرخي العرب في المغرب والأندلس، ووصفوه وصفًا دقيقًا فاق كل وصف. ويعتبر هذا الجامع بحق أروع أمثلة العمارة الإسلامية في العصر الوسيط بفضل ما تضمنه من ابتكارات معمارية وثروات زخرفية. وهو الأثر الوحيد المتبقي من عمارة المساجد في الأندلس، على الرغم من الإضافات الكثيرة التي أُدخلت على عمارته في العصور النصرانية.
جامع القصبة بأشبيليا. لم يتبق من مساجد الموحدين الجامعة في الأندلس سوى آثار المسجد الجامع بقصبة أشبيليا، وهو من أشهر المساجد الأندلسية، وقد أمر ببنائه الخليفة أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن في سنة 567هـ، 1171م. وكان جامع أشبيليا مثل جامع الكتبية بمراكش يضم 17 بلاطة تتجه من الشمال إلى الجنوب. وتتسع هذه البلاطات لأربعة عشر أسكوبًا (الأسكوب هو الأروقة العرضية الموازية لجدار القبلة)، كل بلاطة يصل عرضها إلى 6,40م. أما البلاطة الوسطى المؤدية إلى المحراب فيبلغ عرضها 7,70م. كذلك كان أسلوب المحراب في مثل اتساع البلاطة الوسطى. أما العق